بينما يعلن الزعيم الإيراني المعارض موسوي عن انتظار المهدي المنتظر لمدة 6 أشهر ليهبط في طهران، ويطلب مرشد الثورة آية الله علي خامنئي من الإيرانيين طاعته بصفته نائب الإمام المهدي، كان شاب مصري عاطل في إحدى ضواحي الفيوم (جنوبي شرق القاهرة) يعلن نفسه المهدي المنتظر، بين التاريخ والادعاءات ودعاوى المهديين الذين يوصفون بالمزيفين، تبقى الرواية التراثية الإسلامية محل دراسة مستفيضة من قبل المتخصصين في فكرة "المهدوية" بين تفاسير أهل السنة، وتأويل الشيعة الاثنا عشرية. ورغم خلو القرآن الكريم من إشارات عن فكرة الخلاص المرتبطة بعقيدة الانتظار والإمام العادل الذي يأتي آخر الزمان ليملأ الأرض عدلاً بعدما ملئت جورًا، تبقى كتب التراث السنية والشيعية على السواء، تحارب على امتلاك مفهوم المهدوية كفكرة مركزية في علامات الساعة الكبرى.في البداية نتعرض لدراسة قيمة كتبها الباحث الصديق الدكتور أحمد لاشين المتخصص في الأدب الشعبي الإيراني بعنوان "المهدي المنتظر وتأسيس دولة الحق السياسي والديني.. أسطورة عودة الابن الضال بين السنة والشيعة"، وهي الدراسة التي يقول فيها: يكاد لا يوجد مذهب إسلامي لم يعتقد في مفاهيم الخلاص بشكل عام، المهدي الذي سينهض حتمًا لإطلاق تحول اجتماعي كاسح لاستعادة حكم الله وإشاعة العدل في أرجاء الأرض، ولينفذ أطماع أتباع كل مذهب ضد كل الديانات الأخرى والمذاهب المغايرة، ورغم التشابه الكامن خلف فكرة المهدي في الإسلام والأفكار المسيحية عن الخلاص، فإنه لا يتعامل مع الإنسان كخاطئ أصلي يحتاج للخلاص عبر التغير في الطبيعة الروحية كما في المسيحية، بوصف أن فكرة الخطيئة الكبرى ليست هي الأساس في الإسلام، كما أن فكرة المهدي لا تتشابه مع فكرة القومية اليهودية، حيث مفهوم الشعب المختار وتحقق مملكة الله في أرض الميعاد، وغيرها من الرؤى التوراتية. فالمهدي المنتظر محدد في التشيع الإمامي أو الاثنا عشري، وهو محمد بن الحسن العسكري، وهو الإمام الثاني عشر، والذي غاب غيبتين: الغيبة الصغرى والتي امتدت لخمس سنوات بعد موت والده خوفًا من المتابعة العباسية له، وإلى هنا التسلسل يبدو منطقيًا إلى حد بعيد ثم تأتي فترة الغيبة الكبرى، والتي تستمر إلى الآن، وأنه سوف يعود ذات يوم وغالبًا ـ حسب المعتقد الشيعي ـ سيكون قي ليلة النصف من شعبان وهو يوم ميلاده أيضًا، فهو ما زال موجودًا لم يمت ولن يبعث، بل هو حيّ في العالم ولكن لا يراه أحد، والغريب أن الحجة التي يسوقها التشيع لهذا الغياب الأسطوري أن سمة الحياة الطويلة غير المرئية تلك قد مُنحت لمن هم أقل مكانة من محمد المهدي مثل إبليس أو العبد الصالح الذي ظهر لموسى (عليه السلام) واصطلح على تسميته في التراث الديني الشعبي بالخضر، فلماذا نستبعد تلك السمة عن المهدي الذي سيأتي ليخلص العالم من الظلم ويؤسس عالم العدل الإلهي على الأرض!!
وبشكل عام ـ كما يؤكد الباحث ـ فقد تعامل المذهب الشيعي مع مفهوم العدالة العامة التي تؤسس للفكر الإسلامي كلية، بوصفها عدالة خاصة فقط بالأئمة وأتباعهم، أي تخصيص العدل وتحديده في تلك الفئة فقط، بوصف أن الأئمة قد جسدوا كل مظلومية الشيعة، وبالتالي فالعدل لهم فقط يُعد عدلاً جماعيًا من وجهة النظر تلك، لتأسيس العالم المثالي على أنقاض العالم الفاسد.
بين السنة والشيعة
ويختلف موقف أهل السنة عن موقف الشيعة، وفيما يلي الفروق الجوهرية في العقيدة المهدوية، فعلى الرغم من أن أهل السنة لهم أدلتهم على مجيء المهدي المنتظر, فقد انقسموا إلى قسمين:
1. فمنهم من يثبت مجيئه بناء على صحة الأحاديث التي وردت بشأنه.
2. ومنهم من ينكره لاعتقاده بضعف أحاديثه وظنيتها.
ومن الذين أنكروه: الحافظ أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الجورقاني الهمذاني (ت 543هـ) في كتابه (الأباطيل والمناكير، والصحاح والمشاهير). والحافظ أبو الفرج بن الجوزي (ت 597هـ) في كتابه "العلل المتناهية فـي الأحاديث الواهية".
وممن صرح ببطلان عقيدة المهدي من المتأخرين العلامة الشيخ عبد القادر بن أحمد الدمشقي الرومي المعروف بابن بدران الحنبلي (ت 1346هـ) في كتابه "العقود الياقوتية في جيد الأسئلة الكويتية"، وقد قال فيه: أما ذكر المهدي في كتب العقائد وإلزام الناس بالإيمان بخروجه فلم نرَ أحدًا قال به من العلماء المحققين، لا من أصحابنا – يعني الحنابلة – ولا من غيرهم.
وقال: ثم إن قول الشيخ السفاريني: فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة دعوى لا دليل عليها، بل الأمر بالعكس! لأننا راجعنا كثيرًا من كتب عقائد أهل السنة والجماعة من المتقدمين والمتوسطين والمتأخرين، فلم نجد أحدًا منهم ذكر أنه يجب الاعتقاد بخروج المهدي. ومن ذكره منهم فإنما يذكره استطرادًا في الكلام على أشراط الساعة، وهذه كتب الحنابلة بأجمعها، وهذه عيون كتب الأشاعرة والماتريدية كـ(المواقف) وشرحها، و(المقاصد) وشرحها، و(شرح السنوسية) و(الجوهرة) وغير ذلك مما هو معروف ومتداول بالأيدي.
ومنهم العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور التونسي (ت 1379هـ) في كتابه "تحقيقات وأنظار في القرآن والسنة" قال فيه: إنه – أي المهدي – ليس مما يتعين على المسلمين العلم به واعتقاده… وإنما يكون من المسائل التي تندرج تحت توسيع المعارف الإسلامية. وبعد أن أورد ثمانية أحاديث مما اختلف أهل العلم في تصحيحها وتضعيفها، دون ما اتفقوا على ضعفه خلص إلى أن أحاديث المهدي كلها لم تستوف شروط الحديث الصحيح، ولا شروط الحديث الحسن، فتكون جميعها من قسم الحديث الضعيف.
ثم قال: "هذا حال أمثل الروايات في شأن المهدي، وخلاصة القول فيها من جهة النظر أنها مستبعدة مسترابة، وإننا لو سلمنا جدلاً بارتفاعها عن رتبة الضعف فإننا لا نستثمر منها عقيدة لازمة ولا مأمورات مندوبة، بَلْهَ الجازمة". وقال: لو كانت أحاديث المهدي من الصحة في الموضع الذي يذكرونه من تواترها وشهرتها لما فات جميعها أو بعضها الإمامين الجليلين البخاري ومسلمًا اللذين جمعا في صحيحيهما حتى كيفية الأكل والشرب والاضطجاع والسواك والحديث عن خف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحو ذلك من أمور جزئية في الحياة.
بين السنة والشيعة
ويختلف موقف أهل السنة عن موقف الشيعة، وفيما يلي الفروق الجوهرية في العقيدة المهدوية، فعلى الرغم من أن أهل السنة لهم أدلتهم على مجيء المهدي المنتظر, فقد انقسموا إلى قسمين:
1. فمنهم من يثبت مجيئه بناء على صحة الأحاديث التي وردت بشأنه.
2. ومنهم من ينكره لاعتقاده بضعف أحاديثه وظنيتها.
ومن الذين أنكروه: الحافظ أبو عبد الله الحسين بن إبراهيم الجورقاني الهمذاني (ت 543هـ) في كتابه (الأباطيل والمناكير، والصحاح والمشاهير). والحافظ أبو الفرج بن الجوزي (ت 597هـ) في كتابه "العلل المتناهية فـي الأحاديث الواهية".
وممن صرح ببطلان عقيدة المهدي من المتأخرين العلامة الشيخ عبد القادر بن أحمد الدمشقي الرومي المعروف بابن بدران الحنبلي (ت 1346هـ) في كتابه "العقود الياقوتية في جيد الأسئلة الكويتية"، وقد قال فيه: أما ذكر المهدي في كتب العقائد وإلزام الناس بالإيمان بخروجه فلم نرَ أحدًا قال به من العلماء المحققين، لا من أصحابنا – يعني الحنابلة – ولا من غيرهم.
وقال: ثم إن قول الشيخ السفاريني: فالإيمان بخروج المهدي واجب كما هو مقرر عند أهل العلم ومدون في عقائد أهل السنة والجماعة دعوى لا دليل عليها، بل الأمر بالعكس! لأننا راجعنا كثيرًا من كتب عقائد أهل السنة والجماعة من المتقدمين والمتوسطين والمتأخرين، فلم نجد أحدًا منهم ذكر أنه يجب الاعتقاد بخروج المهدي. ومن ذكره منهم فإنما يذكره استطرادًا في الكلام على أشراط الساعة، وهذه كتب الحنابلة بأجمعها، وهذه عيون كتب الأشاعرة والماتريدية كـ(المواقف) وشرحها، و(المقاصد) وشرحها، و(شرح السنوسية) و(الجوهرة) وغير ذلك مما هو معروف ومتداول بالأيدي.
ومنهم العلامة الشيخ محمد الطاهر بن عاشور التونسي (ت 1379هـ) في كتابه "تحقيقات وأنظار في القرآن والسنة" قال فيه: إنه – أي المهدي – ليس مما يتعين على المسلمين العلم به واعتقاده… وإنما يكون من المسائل التي تندرج تحت توسيع المعارف الإسلامية. وبعد أن أورد ثمانية أحاديث مما اختلف أهل العلم في تصحيحها وتضعيفها، دون ما اتفقوا على ضعفه خلص إلى أن أحاديث المهدي كلها لم تستوف شروط الحديث الصحيح، ولا شروط الحديث الحسن، فتكون جميعها من قسم الحديث الضعيف.
ثم قال: "هذا حال أمثل الروايات في شأن المهدي، وخلاصة القول فيها من جهة النظر أنها مستبعدة مسترابة، وإننا لو سلمنا جدلاً بارتفاعها عن رتبة الضعف فإننا لا نستثمر منها عقيدة لازمة ولا مأمورات مندوبة، بَلْهَ الجازمة". وقال: لو كانت أحاديث المهدي من الصحة في الموضع الذي يذكرونه من تواترها وشهرتها لما فات جميعها أو بعضها الإمامين الجليلين البخاري ومسلمًا اللذين جمعا في صحيحيهما حتى كيفية الأكل والشرب والاضطجاع والسواك والحديث عن خف النبي صلى الله عليه وآله وسلم ونحو ذلك من أمور جزئية في الحياة.
وهكذا يخلص الباحث إلى أن الاختلاف بين السنة والشيعة في المهدي يظهر في العديد من الجوانب التي يمكن أن نوجزها على النحو التالي:
1. إن مهدي أهل السنة غير (المهدي) الذي يعتقد به الاثنا عشرية: فليس هو محمد بن الحسن العسكري، إنما اسمه محمد بن عبد الله ، وليس هو من ذرية الحسين، بل من ذرية الحسن، وغير موجود الآن، أو مولود منذ أكثر من ألف عام وقد غاب في سرداب سامراء، بل يولد في حينه ولادة طبيعية ليس فيها خوارق. ولا يحكم بحكم آل داود (عليه السلام)، بل بشريعة محمد رسول الله (عليه الصلاة والسلام). ولا يقتل العرب، بل العرب أول أنصاره.
2- لا يعتقد أهل السنة أن الإيمان بهذا (المهدي) ركن من أركان الإسلام، أو أصل من أصول الدين لا يصح الإيمان إلا به. ولم يكفِّروا أحدًا على أساسه، ولم يبنوا عليه أي حكم من الأحكام الشرعية، أو يعطلوه، بل هو عندهم من فرعيات الاعتقاد التي لا يضر فيها الاختلاف، وإنكاره لا يقدح في الإيمان.
أما أدعياء المهدوية عبر التاريخ الإسلامي، فهذا أمر آخر شرحه يطول نتناوله الأسبوع القادم بمشيئة الله.
1. إن مهدي أهل السنة غير (المهدي) الذي يعتقد به الاثنا عشرية: فليس هو محمد بن الحسن العسكري، إنما اسمه محمد بن عبد الله ، وليس هو من ذرية الحسين، بل من ذرية الحسن، وغير موجود الآن، أو مولود منذ أكثر من ألف عام وقد غاب في سرداب سامراء، بل يولد في حينه ولادة طبيعية ليس فيها خوارق. ولا يحكم بحكم آل داود (عليه السلام)، بل بشريعة محمد رسول الله (عليه الصلاة والسلام). ولا يقتل العرب، بل العرب أول أنصاره.
2- لا يعتقد أهل السنة أن الإيمان بهذا (المهدي) ركن من أركان الإسلام، أو أصل من أصول الدين لا يصح الإيمان إلا به. ولم يكفِّروا أحدًا على أساسه، ولم يبنوا عليه أي حكم من الأحكام الشرعية، أو يعطلوه، بل هو عندهم من فرعيات الاعتقاد التي لا يضر فيها الاختلاف، وإنكاره لا يقدح في الإيمان.
أما أدعياء المهدوية عبر التاريخ الإسلامي، فهذا أمر آخر شرحه يطول نتناوله الأسبوع القادم بمشيئة الله.
المهدي المنظر والنبي
وعن تشابهات المهدي مع الرسول (صلى الله عليه وسلم) يضيف لاشين: المهدي في سماته الرئيسة هو إعادة صياغة لفترة النبوة وإحياء لمشروع اليوتوبيا الإسلامية، فكما ورد أنه سيكون شديد الشبه بجده النبي، وما سوف يحققه هو إخراج العالم من الظلمات إلى النور، ومن الفساد إلى الصلاح، أي أن فكرة المهدوية هي امتداد طبيعي للنبوة كما أراد أن يؤولها المذهب الشيعي.
لم يذكر في القرآن
ويلفت لاشين إلى: رغم أن القرآن الكريم لم يذكر مطلقًا بشكل صريح على الأقل أي ذكر لمفهوم المهدي المنتظر، فإن فلسفة التأويل والتفسير قد حاولت طرح تلك الفكرة حسب الوجهة السياسية والاعتقادية لدى المذهبين، ففي المذهب السني لا يشكل مفهوم المهدي تأسيسًا للمذهب أو الإيمان رغم ورود بعض الأحاديث الضعيفة التي حتى لم ترد في أي من الصحيحين وتشير وتحكي عن مهديّ يأتي في آخر الزمان من سلالة آل البيت ليحارب ضد كل الذين لا يؤمنون بالإسلام، وسوف يحارب معه، بل ويصلي وراءه في بعض الروايات عيسى (عليه السلام) لمحاربه المسيخ الدجال، وكل تلك الحكايات التي لا تستند إلا على العقلية الشعبية التي اعتمدت على طبيعة الانتظار لتحقيق آمالها المتوارثة تاريخيًا، إلا أنها رغم الخلاف عليها وعلى صحتها لا تشكل صحيح المعتقد السني بشكل عام، ولكن الوعي المذهبي الشيعي قد عمد إلى خلق شخصية بطولية متجاوزة للمفاهيم الزمانية والمكانية لأبعد الحدود وتحولت تلك التصورات إلى معتقد أصيل في المذهب، فالفكر المهدوي يُعد من الأسس الأصيلة للفكر الشيعي في كل تجلياته.
غير أن المهدي في المذاهب الإسلامية بشكل عام هو المنوط بتأسيس المجتمع الديني ـ السياسي المثالي، لكل من يؤمن بالله والرسالة المحمدية، مما تسبب في طرح العديد من الأشكال التاريخية لمفهوم هذا الكيان الاجتماعي تحت مسمى "دولة الحق" أو "دولة الله" والتي عمدت بشكل تلقائي إلى طرح كل المذاهب الأخرى جانبًا، وتتطور الخلاف المذهبي إلى تاريخ للدماء والعذابات التكفيرية لأتباع كل مذهب. ويلفت لاشين إلى: رغم أن القرآن الكريم لم يذكر مطلقًا بشكل صريح على الأقل أي ذكر لمفهوم المهدي المنتظر، فإن فلسفة التأويل والتفسير قد حاولت طرح تلك الفكرة حسب الوجهة السياسية والاعتقادية لدى المذهبين، ففي المذهب السني لا يشكل مفهوم المهدي تأسيسًا للمذهب أو الإيمان رغم ورود بعض الأحاديث الضعيفة التي حتى لم ترد في أي من الصحيحين وتشير وتحكي عن مهديّ يأتي في آخر الزمان من سلالة آل البيت ليحارب ضد كل الذين لا يؤمنون بالإسلام، وسوف يحارب معه، بل ويصلي وراءه في بعض الروايات عيسى (عليه السلام) لمحاربه المسيخ الدجال، وكل تلك الحكايات التي لا تستند إلا على العقلية الشعبية التي اعتمدت على طبيعة الانتظار لتحقيق آمالها المتوارثة تاريخيًا، إلا أنها رغم الخلاف عليها وعلى صحتها لا تشكل صحيح المعتقد السني بشكل عام، ولكن الوعي المذهبي الشيعي قد عمد إلى خلق شخصية بطولية متجاوزة للمفاهيم الزمانية والمكانية لأبعد الحدود وتحولت تلك التصورات إلى معتقد أصيل في المذهب، فالفكر المهدوي يُعد من الأسس الأصيلة للفكر الشيعي في كل تجلياته.
عن موقع:















ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق